هناك عدة حالات لا بدّ من ذكرها وبيان حكمها :

 

الحالة الأولى : حالة ما إذا كانت الشركة تدفع زكاتها ـ كما سيأتي في القسم الثاني .

الحالة الثانية : حالة ما إذا كان المساهم هو الذي يدفع الزكاة ولها نوعان :

النوع الأول : إذا كان المساهم يريد الاحتفاظ بالأسهم والاستفادة من أرباحها .

النوع الثاني : إذا كان المساهم يريد المتاجرة بالأسهم ( عروض التجارة ) .

 

تمهيد

قبل أن أخوض في بيان حكم هذين النوعين نذكر ثلاث مقدمات تعتبر ممهدات لهما ، وهي :

 

أولاً ـ تحرير كل من مصطلح ” المضاربة ” و ” المتاجرة ” ومصطلح ” الاستثمار ” مع بيان الفرق بينها :

 

1 ـ أن لفظ ” المضاربة ” مصدر ضارب ، يقصد بها في عرف الفقهاء : المشاركة بين رب المال الذي يقدم المال للاستثمار وصاحب الخبرة الذي يقوم باستثماره ، ويسمى كذلك : القراض والمقارضة  ، فالمضاربة إذن نوع من المشاركة التي يقصد بها تحقيق الأرباح .

  ولكن يستعمل  هذا المصطلح ” المضاربة ” في عالم البورصة والأسواق المالية على من يضارب في الأسهم ، أو السندات ويشتريها لأجل ارتفاع سعرها ثم يبيعها ، وقد يضارب على أساس الاختيارات ( أوبشن ) ارتفاعاً وانخفاضاً .

 

2 ـ وأما ” المتاجرة ” فهو مصدر : تاجر ، من تجر ، تجراً ، وتجارة ، أي مارس البيع والشراء ، ويقال : تاجر فلان فلاناً أي اتجر معه ، والتجارة : تقليب رأس المال لغرض الربح  .

  والتاجر : الشخص الذي يمارس الأعمال التجارية على وجه الاحتراف بشرط أن تكون له أهلية الاشتغال بالتجارة  .

 والأفضل في هذا المقام استعمال مصطلح ” المتاجرة بالأسهم ” بدل المضاربة بها ، لأن المضاربة المعرفة في عرف الفقهاء ليست هي المقصودة هنا ، كما أن المضاربة في لغة الاقتصاد ـ مع ما فيها من ملاحظات ـ ليست أيضاً هي المقصودة هنا ، ولذلك فالأولى استعمال مصطلح ” المتاجرة ” .

  ويكون المراد بها : شراء الأسهم ، أو الاكتتاب بها ، أو بعبارة موجزة : ” المساهمة فيها ” ، بنية بيعها مرة ثانية بقصد الاسترباح .

  ومعيار المتاجرة بالأسهم هو معيار ما يعد من عروض تجارة لدى الفقهاء ، حيث عرفوها بأنها : هي ما يعد للبيع والشراء بقصد الربح  يقول الإمام النووي : ( ومال التجارة: كل ما قصد الاتجار فيه عند اكتساب الملك بمعاوضة محضة. وتفصيل هذه القيود: أن مجرد نية التجارة لا تصير المال مال تجارة، فلو كان له عرض قنية ملكه بشراء أو غيره، فجعله للتجارة، لم يصر على الصحيح الذي قطع به الجماهير، وقال الكرابيسي من أصحابنا: يصير. وأما إذا اقترنت نية التجارة بالشراء، فإن المشترى يصير مال تجارة، ويدخل في الحول، سواء اشتري بعرض، أو نقد، أو دين حال، أو مؤجل. وإذا ثبت حكم التجارة، لا تحتاج كل معاملة إلى نية جديدة. وفي معنى الشراء، لو صالح عن دين له في ذمة إنسان على عرض بنية التجارة، صار للتجارة، سواء كان الدين قرضا، أو ثمن مبيع، أو ضمان متلف. وكذلك الاتهاب بشرط الثواب إذا نوى به التجارة )  .

  ويمكن توضيح هذا المعيار بأنه يتكون من عنصرين أساسيين هما : العمل ، وهو : البيع والشراء ، والنية ، وهي قصد الربح ، فلا يكفي في التجارة أحد العنصرين دون الآخر ، حيث لا تكفي النية دون ممارسة التجارة أي البيع والشراء ، ولا البيع والشراء دون النية  .

  ولذلك لو اشترى شيئاً للقنية كدابة يركبها ناوياً أنه إن وجد ربحاً باعها لم يعد ذلك مال تجارة  بخلاف تاجر السيارات التي يركب بعضها ، حيث ان استعمالها لا يخرجها عن التجارة ، لأن العبرة في النية بما هو الأصل  .

 

3 ـ  ” الاستثمار ” لغة مصدر : استثمر ، وأصله من الثمر ، أي طلب الثمر ، وهو له عدة معان منها : ما يحمله الشجر ، وما ينتجه ، ومنها الولد  .

  ويقصد بالاستثمار في عرف الاقتصاد ، بل في العرف العام : استخدام الأموال في الإنتاج إما مباشرة بشراء الآلات والمواد الأولية ، وإما بطريق غير مباشر كشراء الأسهم  والسندات  .

  وعلى ضوء ذلك فإن الاستثمار في عرف الاقتصاد يشمل التجارة ، وشراء الأسهم والسندات لأجل أرباحها ، ولذلك فالأفضل استعمال لفظ ” شراء الأسهم بقصد الاستفادة من ريعها ” أو ” شراؤها دون قصد التجارة ” أو ” الاستثمار فيها دون قصد التجارة ” أي لا بدّ أن يقيد حتى لا يفهم منه الإطلاق على التجارة .

 

ثانياً ـ أثر نية مالك السهم في زكاته :

  اتفق الفقهاء في باب التجارة على أن نية البيع والشراء يقصد الربح شرط أساس لتحقق التجارة ، وأحكامها ـ كما سبق ـ قال ابن المنذر : ( أجمع أهل العلم على أن في العروض التي يراد بها التجارة : الزكاة ، إذا حال عليها الحول ، روى ذلك عن عمر وابنه ، وابن عباس ، وبه قال الفقهاء السبعة ، والحسن وجابر بن زيد ، وميمون بن مهران ، وطاووس ، والنخعي ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأبو عبيد ، واسحاق ، وأصحاب الرأي ، وهو مذهب مالك وأحمد … )  وكذلك نقل الاجماع أبو عبيد ، فقال : ( …. وعليه أجمع المسلمون : أن الزكاة فرض واجب فيها ـ أي في عروض التجارة ـ )  .

 

ثالثاً ـ حكم تحول النية من التجارة إلى الاستثمار والاستفادة من الربح :

  إذا تغيرت نية المساهم من التجارة إلى الاستثمار والاستفادة من الربح فإن هذه النية معتبرة ومؤثرة لدى جمهور الفقهاء  ، ما دامت النية صادقة لم تتخذ وسيلة وغطاء للتحايل على عدم دفع الزكاة ، حتى ولو كان هذا التغير بسبب خسارة لحقت بالأسهم ، وذلك لأن زكاة عروض التجارة إنما تتحقق بشروط من أهمها نية التجارة ، وعدم تغييرها ـ كما سبق ـ .

 

النوع الأول : كون المساهم يريد الاستثمار دون قصد المتاجرة  :

 

حصر الآراء الفقهية حول زكاة الأسهم بقصد القنية والاستثمار دون المتاجرة  :

يمكن حصر التوجيهات الفقهية في الآراء الآتية :

 

الرأي الأول : النظر إلى أسهم الشركات تبعاً لنوع الشركة التي أصدرتها من حيث هي صناعية ، أو تجارية ، أو نحوهما : 

  وهذا رأي الشيخ عبدالرحمن عيسى رحمه الله في كتابه ” المعاملات الحديثة وأحكامها ” ، حيث قال في بيان حكم زكاة الأسهم : ( وإنما الواجب النظر في هذه الأسهم تبعاً لنوع الشركة التي أصدرتها ، فإن كانت الشركة المساهمة شركة صناعية محضة أي بحيث لا تمارس عملا تجاريًا كشركات الصباغة، وشركات التبريد، وشركات الفنادق، وشركات الإعلانات، وشركات “الأوتوبيس” وشركات النقل البحري والبري، وشركات الترام، وشركات الطيران، فلا تجب الزكاة في أسهمها ؛ لأن قيمة هذه الأسهم موضوعة في الآلات والإدارات والمباني وما يلزم الأعمال التي تمارسها، ولكن ما ينتج ربحًا لهذه الأسهم يضم إلى أموال المساهمين ويزكى معها زكاة المال  : أي ما بقي منه إلى الحول وبلغ مع المال الآخر نصابًا .

  وإن كانت الشركة المساهمة شركةً تجارية محصنة تشترى البضائع وتبيعها بدون إجراء عمليات تحويلية على هذه البضائع: كشركة بيع المصنوعات المصرية وشركة التجارة الخارجية وشركات الاستيراد أو كانت شركة صناعية تجارية، وهي الشركات التي تستخرج المواد الخام أو تشتريها، ثم تجرى عليها عمليات تحويلية، ثم تتجر فيها، مثل: شركات البترول وشركات الغزل والنسيج للقطن أو الحرير، وشركة الحديد والصلب، والشركات الكيماوية، فتجب الزكاة في أسهم هذه الشركات، فمدار وجوب الزكاة في أسهم الشركات: أن تكون الشركة تمارس عملاً تجاريًا، سواء معه صناعة أم لا، وتقدر الأسهم بقيمتها الحالية، مع خصم قيمة المباني والآلات والأدوات المملوكة لهذه الشركات، فقد تمثل هذه الآلات والمباني ربع رأس المال أو أكثر أو أقل، فيخصم من قيمة السهم ما يقابل ذلك -أي الربع أو أكثر أو أقل- وتجب الزكاة في الباقى، ويمكن معرفة صافي قيمة المباني والآلات والأدوات بالرجوع إلى ميزانية الشركة وهي تنشر كل عام في الصحف  )  .

  وقد ناقش هذا الرأي فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي بقوله : ( وعلى هذا الأساس فرق بين الشركات الصناعية (ويعني بها التي لا تمارس عملاً تجاريًّا) وبين غيرها من الشركات، فأعفى أسهم الأولى من الزكاة وأوجب في الأخرى، فإذا كان هناك شخصان يملك كل منهما ألف دينار، اشترى أحدهما بألفه مائتي سهم من شركة للاستيراد والتصدير مثلا، واشترى الثاني بمبلغه مائتي سهم في شركة لطباعة الكتب أو الصحف، فإن على الأول أن يخرج الزكاة عن أسهمه المائتين، وما جلبت إليه من ربح أيضًا في رأس كل حول مطروحًا من ذلك قيمة الأثاث ونحوه من الأصول الثابتة كما هو الشأن في مال التجارة، وأما الثاني فليس عليه زكاة عن أسهمه المائتين ؛ لأنها موضوعة في أجهزة وآلات ومبان ونحوها، ولا زكاة فيما يأتي من ربح، إلا إذا بقي إلى رأس الحول وبلغ نصابًا بنفسه أو بغيره، فإذا أنفقه قبل الحول فلا شيء عليه.

وبهذا يمكن أن تمضي أعوام على مثل هذا الشخص دون أن تجب عليه زكاة، لا في أسهمه ولا في أرباحها بخلاف الشخص الأول، فالزكاة واجبة عليه لزومًا في كل عام، عن أسهمه وعن أرباحها معًا، وهي نتيجة يأباها عدل الشريعة التي لا تفرق بين متماثلين ) .

ثم قال الشيخ القرضاوي : (ان التفرقة بين الشركات الصناعية أو شبه الصناعية، وبين الشركات التجارية، أو شبه التجارية -بحيث تعفى الأولى من الزكاة، وتجب في الأخرى- تفرقة ليس لها أساس ثابت من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح.

ولا وجه لأخذ الزكاة عن الأسهم إذا كانت في شركة تجارية، وإسقاطها عنها إذا كانت في شركة صناعية، والأسهم هنا وهناك رأس مال نام يدر ربحًا سنويًا متجددًا، وقد يكون ربح الثانية أعظم وأوفر من الأولى )  .

 

الرأي الثاني : اعتبار الأسهم عروض التجارة مطلقا:ً 

  وهذا رأي الشيوخ الثلاثة : أبو زهرة ، وعبدالرحمن حسن ، وعبدالوهاب خلاف ، حيث يرون : أنه لا ينظر إلى الأسهم تبعاً لنوع شركاتها ، بل ينظرون إليها نظرة واحدة ، ويعطون لها حكماً واحداً دون اعتبار لنوعية الشركة ، وذلك لأن هذه الأسهم قد اتخذت للاتجار ، وأن صاحبها قصد بها الاتجار بالبيع والشراء ، ويستفيد منها الأرباح كما يكسب التاجر من سلعته ، وأن قيمتها الحقيقية مقدرة في الأسواق المالية ، تختلف عن قيمتها الاسمية ، وبالتالي فهي في حقيقتها عروض تجارة ، فكان من الحق أن تكون وعاء للزكاة ككل أموال التجارة ، ويلاحظ فيها ما يلاحظ في عروض التجارة  .

  وهذا كما يعني عدم التفرقة بين أسهم وأسهم أخرى حسب نوعية الشركة ، فكذلك يعني عدم التفرقة بين المساهم المستثمر ، والمساهم التاجر أو المضارب ، حيث تجب على الكل الزكاة بنسبة 2,5% من قيمة الأسهم في الأسواق المالية ” أو نحوها ” ، في آخر السنة إذا بلغت نصاباً .  

  وقد رجح الشيخ القرضاوي هذا الرأي للأفراد ، في حين رجح الرأي الأول للدولة إذا أخذت هي الزكاة حيث يقول : (ولعل هذا الاتجاه والإفتاء بمقتضاه أوفق بالنظر إلى الأفراد من الاتجاه الأول، فكل مساهم يعرف مقدار أسهمه، ويعرف كل عام أرباحها، فيستطيع أن يزكيها بسهولة ؛ بخلاف الاتجاه الأول وما فيه من تفرقة بين أسهم في شركة وأسهم في أخرى فبعضها تؤخذ الزكاة من إيرادها، وبعضها تؤخذ زكاته من الأسهم نفسها حسب قيمتها، مضافًا إليها الربح، وفي هذا شيء من التعقيد بالنظر إلى الفرد العادي، لهذا قلنا: إن الأولى الأخذ بالاتجاه الثاني للأفراد، فهو أيسر في الحساب، بخلاف ما إذا قامت دولة مسلمة وأرادت جمع الزكاة من الشركات فقد أرى الاتجاه الأول أولى وأرجح والله أعلم )  .