سنتحدث هنا عن العناصر الأساسية المكونة لعقد التأمين ، وهي ثلاثة : الخطر ، والقسط ، ومبلغ التأمين

أولاً : الخطر

 الخطر لغة : مصدر خطُر ـ بضم الطاء ـ خطراً وخطوراً وخطورةً أي عظم ، وارتفع قدره فهو خطير ، ويقال : خاطر به : جازف ، وأشفاه على خطر ، وخاطر فلاناً راهنه ، وتخاطرا ، أي تراهنا ، والخطر ـ بفتح الطاء ـ الاشراف على الهلاك[1] ، وعلى ضوء ذلك فالخطر من أهم معانيه هو المراهنة والمجازفة ، وجاء معناه الاصطلاحي متفقاً مع هذا المعنى الخير ، وليس بمعنى الخطورة والضرر الذي هو أحد معانيه أيضاً ، وإن كان التأمين لا يخلو من حيث المبدأ عن هذا المعنى .

 فالخطر في باب التأمين هو : ( حادثة محتملة لا تتوقف على إرادة أحد الطرفين ، وبالأخص على إرادة المؤمن له)[2] .

 

شروط الخطر :

1. أن يكون الخطر غير محقق الوقوع ، وهذا يقتضي أن يكون الحادث غير مؤكد ولا مستحيل .

 والمقصود بكون الحادث غير مؤكد أن تكون الواقعة نفسها غير مؤكد الوقوع ، وهذا هو الحال في التأمين من الأضرار ، أو أن تأريخ وقوعها غير مؤكد كما هو الحال في التأمين على الحياة لحال الوفاة ، حيث إن الموت مثلاً حادث أكيد الوقوع ، ولكن وقته غير مؤكد.

 والمقصود بكون الحادث غير مستحيل الوقوع أن التأمين إذا كان لشيء مستحيل الوقوع فإن التأمين غير صحيح[3] .

2. أن يكون الخطر غير متعلق بمحض إرادة أحد طرفي العقد ، ذلك لأن أساس التأمين هو احتمالية الوقوع ، ولأنه إذا تعلق الخطر بمحض إرادة أحد الطرفين انتفى عنصر الاحتمال ، وأصبح تحقق الخطر رهناً بمشيئة هذا الطرف وانعدم بالتالي عنصر من عناصر الخطر فيقع عقد التأمين باطلاً بطلاناً مطلقاً ، لانعدام محله ، وفي ذلك تقول المادة 768/2 من القانون المدني المصري : (أما الخسائر والأضرار التي يحدثها المؤمن له عمداً أو غشاً ، فلا يكون المؤمن مسؤولاً عنها ولو اتفق على غير ذلك) .

 ولذلك لا يجوز التأمين من خطأ المستأمن العمدي بشرط أن يحدث ذلك بفعل إرادي ، وأن يصدر الخطأ العمدي من شخص معين بالذات ، حيث يجوز التأمين من أي خطأ آخر للغير ، لا دخل لإرادة المستأمن في وقوعه[4] .

3. أن يكون الخطر المؤمن منه مشروعاً أي لا يكون حراماً في نظر الشرع ، وأما في نظر القانون بأن لا يكون مخالفاً للنظام العام أو الآداب ، فقد نصت المادة 749 من القانون المصري على أنه : ( يكون محلاً للتأمين كل مصلحة اقتصادية مشروعة تعود على الشخص من عدم وقوع خطر معين) ولذلك فلا يجوز التأمين من الأخطار المترتبة على الاتجار بالحشيش ونحو ذلك[5] ، ونصت المادة 750م م على مجموعة من الشروط وهي:(يقع باطلاً ما يرد في وثيقة التأمين من الشروط الآتية : (1) الشرط الذي يقضي بسقوط الحق في التأمين بسبب مخالفة القوانين واللوائح ، إلاّ إذا انطوت هذه المخالفة على جناية أو جنحة عمدية . (2) الشرط الذي يقضي بسقوط حق المؤمن له بسبب تأخره في إعلان الحادث المؤمن منه إلى السلطات أو في تقديم المستندات إذا تبين من الظروف ان التأخر كان لعذر مقبول. (3) كل شرط مطبوع لم يبرز بشكل ظاهر وكان متعلقاً بحالة من الأحوال التي تؤدي إلى البطلان أو السقوط. (4) شرط التحكيم إذا ورد في الوثيقة بين شروطها العامة المطبوعة لا في صورة اتفاق خاص منفصل عن الشروط العامة.(5) كل شرط تعسفي آخر يتبين أنه لم يكن لمخالفته أثر في وقوع الحادث المؤمن منه) .

 

أنواع الشروط الباطلة :

 فيظهر من هذا النص أنه يتضمن ثلاث مجموعات من الشروط ، وهي : الشروط التي تخالف النظام العام ، والشروط التي تنطوي على تعسف من جانب المؤمن ، وهضم حقوق المؤمن له ، والشروط التي أبطلها المشرع لاعتبارات شكلية مثل ما في فقرتي 3،4 من المادة 750 م م.

 والذي يعنينا هنا هو توضيح الشروط التي تتعلق بالاستبعاد القانوني ، والشروط التي تتعلق بسقوط الحق ، وذلك لأن المشرع المصري قد وقع في خلط بين الأمرين ، بشأن ما ذكره في الفقرة 1/750م م حيث إن بطلان هذا الشرط الذي جعله المشرع بسبب سقوط الحق يتعلق باستبعاد الخطر ، وليس بسقوط الحق في التأمين ، لأن المؤمن يستثنى من نطاق التأمين بموجب هذا الشرط الأعمال التي يأتيها المستأمن بالمخالفة للقوانين واللوائح ، وذلك لأن الخطر الذي يتحقق بسبب هذه الأعمال مستبعد أصلاً من الضمان ، وإذا كان حق المستأمن في الضمان في هذه الأحوال مستبعداً فلا يعقل ان يرد عليه السقوط لأن السقوط يفترض وجود الحق في الضمان ، ولذلك تفادى المشرع الكويتي هذا الخلط المشار إليه حيث قضى ببطلانه في المادة 784/1 على اعتبار أنه يتضمن استبعاداً غير محدد لبعض الأعمال من نطاق التأمين[6] .

 فالمراد بالشروط الباطلة التي تتعلق بالاستبعاد القانوني هو ان يشترط احد الطرفين شروطاً استبعدها القانون من نطاق الخطر أو التأمين مثل أن ينص القانون كما في      ـ قانون التأمين البلجيكي المادة 12 ـ على عدم جواز إبرام عقد تأمين ثان لتغطية نفس الخطر إذا كان العقد الأول يغطي القيمة الكلية للشيء ، أو أن يشترط في التأمين في السيارات ضد الغير التعويض عن الأضرار التي تصيب ركابها ، لأن هذا التأمين بحكم القانون لا يشمل إلاّ الأضرار التي تصيب الغير .

  فالاستبعاد إما أن يكون اتفاقياً وذلك بأن يتفق الطرفان على استبعاد بعض الأخطار واستثنائها من نطاق التأمين الذي يسمى الاستبعاد الاتفاقي ، أو بحكم القانون ، فالاستبعاد الاتفاقي مقرر أيضاً انطلاقاً من مبدأ سلطات الإرادة والحرية التعاقدية ولكنه مقيد بأن لا يخالف القانون ، حيث يتدخل القانون في مجال تحديد الخطر المؤمن منه ، او استبعاده من الضمان في صور متعددة ، فهو ـ كما سبق ـ قد منع التأمين من الخطر إذا تحقق بسبب معين كالخطأ العمدي ، ومن هنا لا يجوز للطرفين أن يتفقا على إدخاله ، كما أن القانون قد يضع شروطاً معينة لصحة الاتفاق على استبعاد بعض حالات الخطر من التأمين مثل ألا يكون مخالفاً للنظام العام والآداب ، ولنصوص القانون ، فإذا نص القانون صراحة على أن المؤمن يضمن الخطر ولو تحقق بأسباب معينة فلا يجوز بعد ذلك الاتفاق على استبعاد الخطر الذي تحقق بهذه الأسباب من نطاق التأمين ، وعلى هذا الأساس يقع باطلاً الشرط العام غير المحدد الذي يقضي باستبعاد حالات الحادث المفاجئ ، أو كل الأخطاء الجنائية غير العمدية ، أو الأخطاء الفنية ، أو المهنية ، أو مخالفات قواعد فن العمل ، فمثل هذه الشروط العامة الغامضة لا تسمح بالتحديد الدقيق للحالات المستبعدة[7] لأن القانون اشترط أن يكون شرط الاستبعاد محدداً غير عام ولا غامض .

  ومن جانب آخر فإن الاستبعاد إنما يرد إذا كان الشيء داخلاً في العقد لو لم يقم الاتفاق على استثنائه ، كما أن المشرع قصد من اشتراط تحديد شرط الاستبعاد العام غير المحدد ، وعليه استند المشرع المصري في البطلان كما في الفقرة 5/750م م ، وعلى أي حال فإنه إذا لم يستوف الاستبعاد شروطه فإنه لا ينطبق ، ويبقى التزام المؤمن بالضمان قائماً ، كذلك يقتصر تطبيق شرط الاستبعاد على الحالات التي حددها هذا الشرط دون سواها ، ويحتج بالاستبعاد على المستأمن والمستفيد والمضرور.

 يقول الدكتور أحمد شرف الدين : (إن من نتائج التفرقة بين الاستبعاد ، وسقوط الحق أنه يحتج على المضرور في التأمين من المسؤولية ، بالأول دون الثاني ، وتبرز أهمية هذه النتيجة في التأمين الإجباري ضد حوادث السيارات ، حيث يجوز أن تتضمن الوثيقة قيوداً على استعمال السيارة وقيادتها)[8] .

 

أنواع الخطر :

1. يقسم الخطر المؤمن منه باعتبار مدى ثباته وتغيره إلى خطر ثابت ، وخطر متغير ، ومعيار الثبات أو التغير نسبي فليس هناك خطر ثابت مطلقاً لا تتغير احتمالات توقعه أصلاً ، كما أن تغيرات وقتية او عارضة لا تمنع من كون الخطر ثابتاً ثباتاً نسبياً .

 فالخطر الثابت هو الخطر الذي يبقى احتمال تحققه ثابتاً خلال مدة التأمين ، أو على الأقل خلال وحدة زمنية معينة ، فالتأمين من الحريق تأمين من خطر ثابت ، إذ الحريق أمر يحتمل وقوعه بدرجة واحدة ، وكذلك التأمين من السرقة ، أو من تلف المزروعات ، أو من دودة القطن أو من الفيضانات ، أو من المسؤولية عن حوادث السيارات .

  والخطر المتغير هو الخطر الذي تتغير درجة احتمال تحققه خلال مدة التأمين صعوداً أو نزولاً ، مثل التأمين على الحياة لحالة الوفاة ، لأن خطر الموت يتغير من مقتبل العمر عن آخره ، وهذا الخطر متغير تصاعدياً ، وعلى العكس فالتأمين على الحياة لحالة البقاء فإن الخطر متغير تنازلياً .

 وأهمية التمييز بين الخطر الثابت والخطر المتغير تظهر بوجه خاص في مقدار القسط السنوي ، ففي الخطر الثابت فالقسط فيه ثابت في حين انه متغير في الخطر المتغير[9]. 

2. ويقسم الخطر باعتبار محله إلى خطر معين ، وخطر غير معين فالخطر المعين هو الخطر الذي يكون محله معيناً وقت التعاقد ، مثل التأمين على الحياة ، والتأمين من الحريق الذي إذا تحقق الخطر فيقع على شيء معين هو  المنزل المؤمن عليه .

 والخطر غير المعين هو الخطر الذي يكون محله غير معين وقت التعاقد مثل التأمين على السيارات .

 وتظهر أهمية هذا التقسيم في تعيين تحديد مسؤولية المؤمن ، ومقدار مبلغ التامين الذي يجب على المؤمن دفعه عند تحقيق الخطر ، ففي الخطر المعين يسهل تعيين مقدار هذا المبلغ ، أما في حالة الخطر غير المعين فيفتقد المؤمن عنصراً من عناصر تحديد مبلغ التامين ، فيكون مرجعه هنا إلى اتفاق الأطراف[10] .

3. تحديد الخطر :

نتحدث فيه عن ثلاث مسائل وهي :

أ ـ كيفية تحديد الخطر ، حيث يتحدد الخطر بتحديد طبيعته ، وتحديد المحل الذي يقع عليه ، فالخطر في التأمين من الحريق يتحدد بطبيعته ، وهي الحريق ، وبتحديد المحل الذي يقع عليه ، وهو المنزل ، او البضائع ، أو أي شيء آخر أمّن عليه من الحريق ، والخطر في التأمين على الحياة يتحدد بتحديد طبيعته وهي الموت ، وبتحديد المحل الذي يقع عليه وهو الشخص المؤمن على حياته .

ب ـ استثناء بعض حالات الخطر ، حيث يجوز للطرفين استثناء بعض حالات الخطر من التأمين بشرط أن تحدد تحديداً دقيقاً وواضحاً ، كما سبق .

ج ـ ان لا تكون شروط تحديد الخطر مخالفة للنظام العام أو لأي نص قانوني حسب المادة 750 م م ـ كما سبق ـ [11].

 

ثانياً : القسط ، أو مقدار الاشتراك :

 فالقسط في التأمين التجاري ، ومقدار الاشتراك في التأمين التعاوني ، والإسلامي ، هو المبلغ الذي يدفعه المستأمن للمؤمن ، أو للجمعية او حساب التامين سواء كان على شكل دفعة واحدة ، أو أقساط محددة في مواعيد محددة كما في التأمين على الحياة .

 فقسط التأمين في التامين التجاري هو المقابل المالي الذي يدفعه المستأمن للمؤمن لتغطية الخطر المؤمن منه .

 وهذا القسط يحدد على أساس القيمة الحسابية للخطر كما حددتها قواعد الإحصاء وأن الخطر يعتبر العامل الرئيسي في تحديد قيمة القسط ، إضافة إلى مبلغ التأمين ومدته ، ولذلك نلقي بصيصاً من الأضواء على هذه العوامل :

1. الخطر حيث يتدخل في تحديد قيمة القسط من ناحيتين وهما :

أ ـ درجة احتمال الخطر التي تعتمد على حساب الاحتمالات ، وقانون الكثرة وجداول الإحصاءات السابقة للحوادث ونفقاتها نسبة مع نسبة المساهمين فيها .

ب ـ درجة جسامة الخطر عن تحققه مع ملاحظة الزمن،والمكان وكل الظروف المحيطة به .

ج ـ مبدأ تناسب القسط مع الخطر نفسه ونوعه . 

د ـ بيانات الخطر التي يدلي بها المستأمن .

2. المبلغ المؤمن به حيث له دور في تحديد القسط ، أو مقدار المشاركة وبالأخص في التأمين على الأشخاص والتأمين على الحياة .

3. مدة التأمين ، حيث للزمن أيضاً دور في تحديد قسط التأمين ، أو مقدار الاشتراك .

 فهذه هي العوامل الأساسية في تحديد القيمة الصافية للقسط أو الاشتراك وهي عوامل ذات طبيعة إحصائية ، ولكنها مع ذلك قد تدخل عوامل اخرى اقتصادية ( الفوائد والتضخم ونحوهما) في تعديل تلك العوامل ، إضافة إلى عوامل الربح الذي يريد المؤمن تحقيقه في التأمين التجاري كما يلاحظ المصروفات والنفقات التي يتكبدها ، وأكثر من ذلك كثرة الحوادث كما في التأمين على السيارات[12].

 

ثالثاً : مبلغ التأمين أو أداء المؤمن :

 وكما ذكرنا فإن المؤمن يلتزم بدفع ما يجب عليه عند وقوع الخطر المؤمن منه،وحل هذا الالتزام هو مبلغ التأمين،وان الالتزام به يكون تارة معلقاً على شرط إذا كان الخطر المؤمن منه غير محقق الوقوع كما في التأمين على السيارة ، والحريق….،وتارة أخرى يكون مضافاً إلى أجل إذا كان الخطر المؤمن منه محقق الوقوع ولمن لا يعرف وقته كما في حال التأمين على الوفاة .

 

شكل الأداء :

أ ـ قد يكون نقدياً حينما يكون محل الأداء مبلغاً من النقود .

ب ـ وقد يكون الأداء عينياً كما في بعض أنواع التأمين حيث يحتفظ المؤمن لنفسه الحق في الخيار بين الأداء النقدي،أوالأداء العيني،أو إصلاح الشيء وإعادته إلىما كان عليه قبل الحادثة.

ج ـ وقد يكون الأداء على شكل تقديم خدمات شخصية كما في حالة التأمين من المسؤولية حيث يحتفظ المؤمن بحقه في التدخل في الدعوى المرفوعة ضد المستأمن[13] .

 

 


 

 

([1]) يراجع : لسان العرب ، والقاموس المحيط ن والمعجم الوسيط مادة “خطر”

([2]) د. البدراوي : المرجع السابق ص 61   ، ود. الزعبي المرجع السابق ص 39

([3]) د. السنهوري : الوسيط ( 7/1218) ود. أحمد شرف الدين : المرجع السابق ص 171

([4]) المراجع السابقة

([5]) المراجع السابقة

([6]) د. أحمد شرف الدين ص 213 – 214 ود. السنهوري : الوسيط (7/1240)

([7]) د. أحمد شرف الدين ص 208 والمراجع السابقة

([8]) د. أحمد شرف الدين ص 217

([9]) د. السنهوري : الوسيط ( 7/1231) ود. أحمد شرف الدين ص 218

([10]) د. السنهوري : الوسيط ( 7/1223) ود. أحمد شرف الدين ص 22

([11]) د. السنهوري : الوسيط (1/1235 وما بعدها ) والمراجع السابقة

([12]) د. أحمد شرف الدين  ص 225 –231 ود. السنهوري : الوسيط (7/1193)

([13]) د. أحمد شرف الدين ص 232 والمصادر السابقة